مقالات الرأي

العلاّمة المختار الشنقيطي وقصيدته «الزرقاء»

كانت قصيدة «الزرقاء» للعلاّمة المختار أحمد محمود الجكني اسكنه الله فسيح جنانه هي حديث المجالس في خمسينيات القرن الماضي، وقد قرأتها اول مرة في دفتر لوالدي رحمه الله جمع فيه مدائح للرسول الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه مع بعض ما كان يروقه من الأشعار.
والعجيب من امر قصيدة الزرقاء هذه انها ثلاث قصائد مجتمعة معاً في نص شعري واحد، وانها آية في الفصاحة والاقتدار اللغوي تشي بعبقرية ادبية عزّ نظيرها..
اما اولى قصائد «الزرقاء» فقد جاءت على بحر البسيط، وانا مورد هنا ابياتها الاولى:

احذر عيون المها ان طفن والحوَرَا
 والغ امر الحسانِ وانبذَنْه ورا

راقتك سُفّرُ حور العين إذْ برزتْ
 فاستحي ويحك ممن صوّر الصٌّورا

وغض طرفك عنها واخش خالقها
 واستخفِ منه اتعصى الله وهو يرى

ولُذْ بعفو الغفور الله مُنشئها
 البَرِّ من قد انار الشمس والقمرا
اما ثانية قصائد الزرقاء فهي تقرأ من متنها نفسه وهي على بحر المجتث وهذان هما اول بيتين فيها..
 احذر عيون المها ان راقتك سفر حُوْرِ
 وغُضّ طرفَكَ عنها ولُذْ بعفوِ الغفورِ

واما الثالثة فهي على بحر الخفيف، وأول بيتين فيها هما:
ألغِ امر الحسان فاستحي واستخفِ من البر عز شأناً وجلّ
من لأمر المهيمن انقاد يظفرْ بمناه في كل امرٍ أظلّ

وقد كتب العلاّمة المختار الشنقيطي هذه القصيدة الثلاثية باللونين الاحمر والاسود نجعل الجزء الأحمر من اشطرها الاولى قصيدة في بحر المجتث والجزء الأحمر اشطرها الثانية قصيدة في بحر الخفيف كما ورد آنفاً. ثم سمى القصيدة «الزرقاء» لاختلاط الوانها، كما ورد في رسالة كريمة من نجله الاستاذ عمر المختار الشنقيطي اطال الله عمره..
اما المرحوم الشيخ المختار احمد محمود الموساني الجكني الشنقيطي فقد وُلد في موريتانيا عام 1885م وتلقى علومه – والرواية هنا لولده الاستاذ عمر – كما يتلقى الطلاب علومهم في ذلك البلد، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن تسع، ثم حفظ دواوين شعر الجاهلية ثم بدأ في تلقي علوم الشريعة المختلفة، ونبغ في اللغة العربية والشعر وعلوم الشرع. وما كاد ينهي دراسته هناك حتى كان الاستعمار الفرنسي يبسط نفوذه، فقرر الهجرة في سبيل الله، فمر بمصر ثم اتجه للحج، ثم عاد الى مصر ليستقر بجانب ابن عمه العالم الجليل الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي (وهو عم سماحة الشيخ محمد الامين الشنقيطي الذي كان وزيراً للتربية والتعليم وقاضياً للقضاة وسفيراً للاردن في السعودية).. ثم إنّه، وبعد وفاة الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي انتقل الى الاردن بدعوة من سمو الامير عبدالله بن الحسين (الملك عبدالله المؤسس) وبدأ ينشر علمه من خلال معهد العلوم الاسلامية في عمان، وصار له تلامذة ومريدون، وعكف قبيل وفاته على تأليف قاموس لألفاظ القرآن الكريم ودليل المكان الكلمة من الآية ثم من السورة، مُرْجعاً الكلمة الى اصلها، ذاكراً بابها، ومعانيها، وبأي معنى أتت في كل مكان لها. فهو بهذه القصة معجم مفهرس القرآن الكريم مع معانيها، فأي جهاد علمي كان ذلك لكلمات وأي صبر ودأب اشتملت عليهما همّة العلامة الشنقيطي؟
وان مما يذكره صاحب هذه السطور ان والده كان يصطحبه احياناً الى زيارة كل من القاضي محمد صالح العجلوني، والشيخ داوود العبادي والشيخ موسى العجلوني، رحمهم الله جميعاً، وان حديث «الزرقاء» لم يكن ينقطع في مجالسهم.
وفي الحق ان التاريخ الادبي لبلدنا هذا لم يكتب على حقيقته بعد، وان المؤرخ الرسمي، والمؤرخ الايديولوجي والمؤرخ الطائفي، والمؤرخ الاكاديمي، كل اولئك يفوتهم حقائق كثيرة من هذا التاريخ، وإن مما نعتقده – بسبب من ذلك – ان كنوزاً ادبية ومعرفية كثيرة ما تزال تنتظر التحقيق والنشر اولاً ثم الدرس والقراءة الموضوعية ثانياً. وذلك ما نأملُ ان نباشره من قريب قبل ان يتعذّر ذلك او يكون امراً مستحيلاً.

المصدر
صحيفة الرأي الأردنية

قبيلة تجكانت

تجكانت قبيلة عربية ينتشر أبناؤها في شمال وغرب إفريقيا إضافة للشرق الأوسط، انطلاقًا من مدينة تنيقي التاريخية على ضفاف وادي إرغيوى شمال صحراء آدرار بموريتانيا.

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى