الأماكن

تنيقي

400 عام من الحضارة

تأسست مدينة تنيقي في أواخر القرن السادس الهجري الموافق للقرن الثاني عشر ميلادي، خلال الفترة الممتدة بين عامي 680 و699هجري، أي بعد سقوط دولة المرابطون بقرابة 150عاماً.

وقد انعكس الدور الذي قامت به قبائل لمتونة خلال قيادتها لدولة المرابطين على مدينة تنيقي متمثلاً في القيم والتقاليد المرابطية، وأدت هذه القيم المتمثلة في الحفاظ على التعاليم الإسلامية والالتزام بالعفة والأخلاق لاستقلال جماعات من فصيلة مَسُّوْفَة اللمتونية عن أصلها المسوفي معلنين بذلك تأسيس قبيلة مستقلة أطلق عليها اسم تجكانت نسبة إلى جدهم المشترك جاكن والملقب بالأبر.

وذكر الضابط المترجم مارتان في كتابه الواحات الصحراوية أنه عثر على مخطوطة بمدينة تيديكلت في توات توثق مفاوضات حدثت بين سكان المدينة وبعض القادة من قبيلة تجكانت، وذلك عام 793هجري الموافق للعام 1391ميلادي أي بعد أكثر من 100عام من تأسيس قبيلة تجكانت لمدينة تنيقي.

وكان هذا هو الظهور الأول لقبيلة تجكانت كقبيلة مستقلة منفصلة عن أصلها المسوفي المتفرع عن قبائل لمتونة، وهو ما شكل الدافع الأكبر لتأسيس مدينة مستقلة تكون مركزاً عليماً وحضارياً لهذه القبيلة حديثة التأسيس، ولهذا تعد مدينة تنيقي هي الحاضنة الأولى والأساسية لقبيلة تجكانت.

تعد مدينة تنيقي أهم المدن التاريخية التي تم تأسيسها على يد قبيلة تجكانت، وأهم المدن التاريخية في تلك المنطقة، وقد شهدت المدينة ازدهاراً علمياً وحضارياً وعمرانياً ملحوظاً حتى أصبحت من الناحية العلمية تقارن بالقاهرة لكثرة العلماء فيها.


صورة جوية محدد من قبل تجكانت في السعودية لمدينة تنيقي التاريخية

الموقع الجغرافي

تم اختيار موقع تنيقي بعناية من قبل مؤسسيها فهي تقع على ضفاف وادي إرغيوى، وكانت المياه الجارية في هذا الوادي والقادمة من الجبال في جهة الشمال تفيض من الوادي أغلب فترات العام، كما يقع على ضفاف الوادي عدد من الآبار تزود المدينة بالماء في الفترات التي تنقطع فيها المياه عن الوادي بسبب الجفاف أو تأخر موسم الأمطار.

ساهم موقع تنيقي على طُرق التجارة القديمة في ازدهارها، فهي تقع على الطريق التجاري المعروف بالطريق اللمتوني القديم الذي يربط بين وادي درعة ومدينة سجلماسة التاريخية في المغرب مروراً بآدرار بمختلف مناطقها وصولاً إلى المناطق الجنوبية وتحديداً مدينة أوداغست والتي تقع الآن في جنوب موريتانيا، ولهذا كان لسكان مدينة تنيقي دور مهم في التجارة عبر الصحراء وتسيير القوافل، وكان لهم نشاط تجاري واسع خصوصاً في جنوب المغرب وفي المناطق المحاذية لنهر السينغال.

بالإضافة إلى ممارسة التجارة مع المناطق الشمالية والجنوبية من خلال طرق التجارة القديمة برع سكان مدينة تنيقي في زراعة النخيل على أطراف الوادي، والمناطق الصحراوية إذ تتميز صحراء آدرار بالواحات وخصوبة التربة.

يحد تنيقي من جهة الشمال سلاسل صخرية منخفضة الارتفاع متفرعة عن جبال المرابطين، ومن الجنوب صحراء آدرار الشاسعة والتي تمد المدينة بالمناخ الصحراوي للحفاظ على درجات حرارة أجوائها ومكافحة الأمراض والأوبئة ومنع انتشارها.

المساحة

يبلغ طول المحيط الخارجي للأجزاء المتبقية منها اليوم والتي لم تندثر تحت الرمال قرابة الكيلو متر واحد فقط، بينما تبلغ إجمالي مساحته أكثر من 46ألف متر مربع، وتبعد مدينة تنيقي عن انواكشوط عاصمة موريتانيا 500كلم إلى جهة الشمال الشرقي بخط مستقيم، وتقع أنقاض مدينة تنيقي التاريخية حالياً بين مدينة ودان شرقاً وتبعد عنها 45كيلو متراً، ومدينة شنقيط غرباً وتبعد عنها 50كلم وكلاهما بخط مستقيم.

خريطة جغرافية من رسم تجكانت في السعودية للموقع العام لمدينة تنيقي التاريخية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية

خريطة طبوغرافية من رسم تجكانت في السعودية للموقع العام لمدينة تنيقي التاريخية على ضفاف وادي أرقيوية

ورد أول ذكر مكتوب لتنيقي من قبل البرتغالي فالانتيه فرناندوس الذي دون روايات الرحالة والمستكشفين الذين زاروا شواطئ الأطلسي عام 850هجري الموافق للعام 1446ميلادي أي بعد 170عاماً من تأسيس تنيقي، وقام بجمع بعض المعلومات عن موريتانيا بشكل عام، ومنطقة آدرار بشكل خاص وتحدث عن مدينة تنيقي باعتبارها إحدى أهم مدن آدرار، وتُجمع المصادر التاريخية التي تحدثت عن تنيقي بأنها مدينة آهلة بالسكان، مكتظة الأسواق، وتحتضن مختلف أوجه النشاط العلمي والتجاري والاقتصادي في تلك المنطقة.

يقول الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي (رحمه الله) في الرسالة الغلاوية متحدثاً عن تنيقي بقوله (إنها كانت قصراً مشيداً) ويقول أحمد بن الأمين الشنقيطي في الوسيط في حديثه على جغرافية منطقة آدرار بأن تنيقي مدينة مشهورة، وكانت من مدن آدرار المعتبرة في تلك الفترة، وكانت عامرة بالبناء ومزارع النخيل.

أما العلامة والمؤرخ المختار بن حامد فيقول: (لما وضعت حرب المرابطين أوزارها أسست تجكانت قريتهم تنيقي في القرن السادس الهجري وأقاموا بها قريباً من أربعة قرون في غاية ما يكون من العمارة والدين والعلم والمال والعدد).

معنى تنيقي:

أشارت بعض الروايات الشفوية منسوبة لمتقني اللهجات القديمة في الشمال والغرب الإفريقي خاصة لغة الطوارق القديمة، أن معنى تنيقي مدينة العدل أو النقاء وتكتب باللهجة الدارجة هناك (تنيگي)، وأشار بعض من يتقن لغة قبائل صنهاجة الشمال أن معناها في لغتهم ذات الرفعة أو المخضرة، وهذه المعاني كلها قد اتصفت بها مدينة تنيقي التاريخية.

من التاريخ الثقافي لتنيقي:

عرفت تنيقي عبر التاريخ بكثرة علمائها وازدهارها الثقافي والعلمي، وهو ما سار به الركبان في تلك البلاد، ومن أشهر ذلك الرواية التي نقلها المختار ول حامد عن العلامة اباه بن محمد الأمين بقوله إن أكثر البلاد يومئذ علماً مدينة تنيقي ومدينة القاهرة.

كما قيل أيضاً بأنه كان في تنيقي أربعون جارية تحفظ موطأ الإمام مالك (رحمه الله)، وهي رواية مشهورة أوردها الباحث الشيخ سيديا بن بابه في كتابه تاريخ امارتي ادوعيش ومشظوف، نقلاً عن العلامة المعمر آفلواط محمدُّو المختار أحمد الجكني (رحمه الله) الذي أدركه الباحث مطلع القرن الرابع عشر وهو متقدم في السن.

الحياة الإقتصادية في تنيقي :

اعتمدت الحياة الإقتصادية في تنيقي على نوعين أساسيين من الإقتصاد وهما الزراعة والتجارة. وكان لقبيلة تجكانت دورًا بارزًا في تحقيق الرخاء الإقتصادي في ذلك القطر من العالم من خلال أسلافهم في دولة المرابطين. وقد توارث أبناء القبيلة هذا الدور عبر التاريخ وصولًا للفترة التاريخية التي شهدت التحول في طريقة حياة قبيلة تجكانت فانتقلت من العيش في المدن إلى عيش حياة البداوة.

الزراعية

تتمتاز تنيقي بموقع مميز أسهم بشكل مباشر في توفير المياه الجارية أغلب فترات العام من خلال جريان وادي إرغيوى. والذي يجمع مياه الأمطار من مرتفعات جبل المرابطين في جهة الشمال.

كما تميز وادي إرغيوى والذي يحد تنيقي من ثلاث جهات بتخزينه لكميات كبيرة من المياه الجوفية عبر الزمن. ما انعكس على الزراعة في تنيقي حيث كانت تجكانت أول قبيلة تسكن تلك المنطقة وتحفر آبارها الجوفية في خزان وادي الرغيوى الغني بالمياه.

كما أن طبيعة الجغرافيا متمثلة في الروافد المغذية لوادي الرغيوى تتسبب في جرف كميات كبيرة من الرواسب الخصبة عبر جريان المياه في تلك الرواد من أعالي جبال المرابطين. ليتم ترسيبها بشكل طبيعي خزان الوادي وهو ما يسهم في تجديد التربة.

نهضة تنيقي :

كثيرة هي الشواهد على دور تنيقي في التأسيس للثقافة الإسلامية والتقاليد العلمية في بلاد شنقيط، وكان لها الدور الأبرز والأكبر في نشر المعرفة والعلوم الدينية واللغوية وغيرها من علوم المنطق وغيرها الكثير في بلاد شنقيط بكامل مدنها.

ومن بين هذه الشواهد أن أول ذكر معروف لمصطلح المحضرة في بلاد شنقيط قد عرف في تنيقي، حيث نجده مرتبطاً باسم أحد العلماء المشهورين الذين عاشوا في تنيقي وهو المختار بن الطالب عبدالله المعروف بالطالب محضرة، وقد عاش في القرن العاشر الهجري.

ومصطلح المحضرة مصطلح أندلسي في أصله، انتقل من الأندلس إلى المغرب ومنها إلى بلاد شنقيط المعروفة بموريتانيا وتحديداً مدينة تنيقي التاريخية، وكان يطلق في الأندلس على مدارس تعليم القرآن الكريم حصراً دون غيرها، بينما تم تعميمه في مدينة تنيقي ليصبح اسماً يطلق على جميع المدارس العلمية بمختلف مراحلها وتخصصاتها.

وأصبح لهذا المصطلح مكانة كبيرة ودلالة خاصة في الثقافة الموريتانية، وفي تاريخها العلمي الممتد، فالمحاضر جامعات بدوية فريدة في طرقها وأساليبها التعليمية، وقد حافظت على هُوية البلاد وحفظت علوم أهل الإسلام واللغة في هذا القطر وتطوع القائمون عليها بأداء وظائف مثل التدريس والإفتاء والقضاء وغيرها.

وقد خلد المحضرة أحد العلماء الأجلاء المنحدرين من تنيقي في أبيات شهيرة، وهو العلامة المختار محمدسعيد المستحي من الله الجكني المعروف بول بون (رحمه الله) في قصيدته الشهيرة حدت حداة بني يحيى بن عثمانا إذ قال في بعض أبياتها:

ونحن ركبٌ من الأشراف منتظمٌ
أجلُّ ذا الخَلْق قَدْرًا دون أدنانا

إلى أن وصل لقوله:

قَدِ اتَّخذنا ظهورَ العيس مدرسةً
بها نُبَيِّنُ دينَ اللّه تبيانا

شاهد القصيدة كاملة من هنا

القضاء في تنيقي

ومن جهة أخرى فقد عَرفت تنيقي ازدهاراً فريداً لمؤسسة القضاء التي كان لها دور الريادة في المدن والحواضر الصحراوية في ذلك القطر، حيث كان القاضي كما هو معروف يمثل منصب رفيعاً في قومه وإليه يعود السائلون والمتخاصمون ليحكم بينهم فيطيعونه فيما قال لعظم مكانته وغزارة علمه.

ومن مظاهر ذلك وجود عدد من العلماء والقضاة الذين اشتهروا بلقب (القاضي) فلا تذكر أسماؤهم اليوم إلا مقرونة بهذا اللقب، ومن المتعارف عليه في الثقافة الإسلامية أن لقب القاضي لا يقترن إلى بمن عُرف عنه رجاحة العقل، وقوة المنطق، والقدرة على التحليل واستحضار الحجة والبرهان، والفصل بين الناس، مما يعني أن اللقب يدل على مهنة يجيد القيام بها عن علم ومعرفة تامة، ومن هؤلاء:

القاضي يعقوب بن القاضي يحيى بن رمضان، وقد عاش في القرن الثامن الهجري الموافق للقرن الرابع عشر ميلادي، وقد أثنى عليه الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي في الرسالة الغلاوية وقال بأنه علامة يتسم بالذكاء والفطنة.

وكذلك القاضي يَرْزَكْ بن محمد بن الحسن بن يوسف وهو جد المختار والد أهل الحاج، وخال العالم المشهور سيدي أحمد البكاي وقد عاش في أواخر القرن الثامن الهجري وأوائل القرن التاسع الهجري، ومما لا شك فيه أن تسمية هؤلاء العلماء بالقضاة وشهرتهم رغم قدم العهد وطول المدى، دليل وقرينة واضحة على أهمية منصب القضاء في تنيقي، وهو ما يعكس تطور الحياة فيها وإرساء العدل بين سكانها.

ومن جهة الشعر والشعراء فإن محمد بن المسلم الديشفي وهو من أقدم الشعراء المعروفين في بلاد شنقيط، من سكان مدينة تنيقي وقد عاش في القرن الثامن الهجري، وله قصيدة في مدح قبيلة المحاجيب أهل ولاتة أوردها الطالب أبو بكر المحجوبي في كتابه منح الرب الغفور، وهي تعتبر من أقدم الشعر المحفوظ في بلاد شنقيط ويقول في مطلعها:

إذا كنت جوالاً على الأرض تبتغي
نازل بعض الصالحين ذوي الذكر

عليك بعثمان الفقيه ورهطه
وإخوانه الغر الأكارم من فهر

تنيقي والعلماء

وقد حفظ التاريخ كذلك أسماء بعض العلماء الذين عاشوا في تنيقي، مثل العلامة المستحي من الله بن سيدي عل بن زلماط الجكني الذي عاش في القرن الثامن الهجري، حيث قال عنه ابن حامد في موسوعته: “إنه كان فقيها صوفياً مربياً صاحب كرامات وسياحات” وهو الجد الأعلى للعلامة علامة المختار محمدسعيد المستحي من الله الجكني المعروف بول بون (رحمه الله).

العلامة سيدي المختار الشواف الطالب حبيب الله الجكني قال عنه ابن حامد: ” كان علامة مشهوراً بكراماته وبركاته، يهابه اللصوص وتخافه الأعداء. فلذلك طالبوه بتغيير علامة ماشيته ليتجنبوها. فغيرها إلى الورك الأيسر بدلاً من شق الرقبة الأيمن”.

وكذلك العلامة سيدي المختار الدراوي بن يعقوب الجكني ولد بتنيقي ونشأ بها، ثم انتقل إلى وادي درعة واستقر به، وكان عالماً كبيراً فقيهاً محدثاً وله نسخة من صحيح البخاري كتبها بخطه وهي في غاية من الحسن والتحرير والضبط.

العلامة سيدي المحجوب حبيب القاضي الجكني (رحمه الله)، ولد في تنيقي ونشأ بها ثم حج وطلب العلم في المغرب، وجاء ببعض الأسانيد والإجازات العلمية وأخذها عنه علماء مدينة شنقيط و مدينة تشيت وغيرهم.

بالإضافة إلى الشيخ سيدي محمد بن سيدي علي الكنتي الكبير الذي توفي قرابة العام 820هجري، وقد كان عالماً كبيراً وصالحاً زاهداً، وكانت تربطه صلة قوية بتنيقي وكان يقطن بها في بعض الأحيان، وكذلك ابنه الشيخ سيدي أحمد البكاي المتوفى سنة 920هـ الذي كان عالماً صالحاً مربياً كثير التلامذة والمريدين، وكذلك العلامة أندكسعد التاشدبيتي توفي قرابة سنة 1040هجري، وهو عالم مشهور هاجر من تنيقي إلى منطقة القبلة التي اشتهر بها، بالإضافة إلى عدد آخر من العلماء.

تنيقي مدينة تجكانت الأولى :

رغم ظهور مسمى تجكانت كقبيلة مستقلة قبل تأسيس تنيقي إلى أنها هي المدينة الأولى التي أسست من قبل تجكانت كقبيلة مستقلة ذات قوة ومنعة، وهو ما خلد مقولة (ما في الدنيا جكني إلا وهو خارج من تنيقي) وهي مقولة للقاسم بن المختار بن ميلود الجكني من بطن موساني من أهل أشْفغ 1محمْ بن حامد، المختار. (2011). حياة موريتانيا حوادث السنين أربعة قرون من تاريخ موريتانيا وجوارها. ط1. هيئة أبوظبي للثقافة والتراث.

إنهيار تنيقي:

تمتاز تنيقي بعمارتها وهندستها التي تتوافق مع طبيعة مدن الصحراء ومواردها المتاحة في تلك البيئة، إذ كانت الطرقات والممرات في المدينة ضيقة وهو أسلوب البناء المتبع في المدن قديماً، أتى أحد الفتيان السفهاء من أبناء القبيلة وأغلق أحد الطرق الضيقة المؤدية إلى السوق وقال: (لن يمر أحد اليوم إلى من تحت قدمي).

أتت فتاة صغيرة من قبيلة كنته اسمها لاله بنت سيدي محمد الصغير بن سيدي أحمد البكاي بن سيدي امحمد الكبير جد قبيلة كنتة، وأمها من قبيلة تجكانت وتحديداً من فخذ لقواليل، وأرادت هذه الفتاة الصغيرة العائدة من السوق أن تذهب إلى منزل أبيها فأجبرها هذا الشاب أن تمر من تحت قدمه.

فلما طأطأت لاله الكنتية رأسها لتمر من تحت قدمه ضربها على عنقها بقدمه فسقطت على وجهها فكُسرت أسنانها، عادت لاله الكنتيه إلى منزل أبيها فذهب بها إلى بيت خالها واسمه أعمر أكوكْ، وكانت له مكانت اجتماعية بارزة عن العثامنه من فخذ لقواليل، غضب أعمر أكوكْ مما حدث لهذه الفتاة الصغيرة، فحمل سيفه وذهب إلى ذلك الشاب فقطع قدميه.

حرب العام

على إثر هذه الحادثة اشتعلت حرب طاحنة بين الفريقين اصطف فيها أهل ذلك الشاب مع أحد عشر فخذاً من أفخاذ قبيلة تجكانت البالغ عددهم إثنى عشر فخذاً في صف واحد، وفي الجهة المقابلة أصطف فخذ لقواليل بمفرده، أسفرت هذه الحرب الطاحنة والتي استمرت لعام كامل عن هزيمة فخذ لقواليل وكثر فيهم القتل والتمثيل في الجثث، مما أجبر أعمر أكوك للخروج من مدينة تنيقي ومعه خمسة وستين طفلاً يتيماً من فخذ لقواليل.

15 عاماً في الصحراء

مكث أعمر مع هؤلاء الأطفال في صحاري الشاسعة في منطقة آدرار والمناطق المحيطة بها، يربيهم ويدربهم على القتال، وقد حرص أعمر أكوك أن يشارك هؤلاء الأطفال بعد بلوغهم في عدة حروب في صف البربر لتثبيت حكمهم في الأراضي التي يسيطرون عليها، وكانو فيها على قدر من الشجاعة والبسالة حتى أصبحو قادة لجيوش البربر.

العودة إلى تنيقي

عندما قرر لقواليل العودة إلى تنيقي تسلل أعمر أكوكْ ليلاً وجاء إلى أَمة له وأمرها أن تقيم حفلاً تقليدياً متمثلاً في الضرب على الطبل، اجتمع عليه الشباب من كافة أنحاء تنيقي، واستمر الحفل إلى وقت متأخر من الليل فتساقط الشباب نياماً فهجم عليهم أعمر أكوك وقتل عدداً كبيراً منهم، وكان جيشه مكوناً من الفتية الذين غادرو تنيقي وهم أطفال.

ولما دخل وقت الفجر أذن أعمر أكوكْ لصلاة الفجر وكان جهوري الصوت، وفي آخر أذانه قال: (صبحكم الويل) قيل عندها أن أربعين امراءة حاملاً أسقطت حملها عندما سمعت ماقال.

حرب العامين

بعد عودة فخذ لقواليل إلى تنيقي اشتعلت حرب طاحنة بين فخذ لقواليل وبقية أفخاذ القبيلة، استمرت هذه الحرب لمدة عامين، وأسفرت عن انتصار فخذ لقواليل على بقية أفخاذ القبيلة، فخرجو منها إلى مدن ومناطق أخرى كان أبرزها مدينة تكبة التاريخية، ويقول الشاعر عبدالرحمن بن محمدُ أفلواط الجكني في رثاء تنيقي والحديث عن نهايتها:

تنيقي قومي بإذن الله قائمة
قد ينشر الله أقواماً وإن ماتوا

شاهد كامل القصيدة من هنا

أما العلامة محمد المختار بن الأمين بن المختار والذي توفي عام 1250هجري، فقد خلد ذكر تنيقي في قصيدة ألقاها في المغرب أثناء رحلته إلى الحج، حيث سأله بعض المغاربة عن موطنه بعد قرون من إنهيار تنيقي:

ما للغرائب نصب عين ألواني
بل من تغرب نازح الأوطان

شاهد كامل القصيدة من هنا

العام الأخير :

وفي العام 1062 للهجرة 2المختار بن حامدٌ، موسوعة حياة موريتانيا، الرباط، 2009، الجزء السادس. الموافق للعام 1652 للميلاد كانت نهاية مدينة تنيقي برحيل آخر سكانها وهم بطن لقواليل بعد موجة عظيمة من الجفاف تسببت في الجفاف التام لوادي الرغيوة والأودية المغذية له.

قبيلة تجكانت

تجكانت قبيلة عربية ينتشر أبناؤها في شمال وغرب إفريقيا إضافة للشرق الأوسط، انطلاقًا من مدينة تنيقي التاريخية على ضفاف وادي إرغيوى شمال صحراء آدرار بموريتانيا.
زر الذهاب إلى الأعلى