التقارير

الشيخ المحقق الأصولي المفسر محمد الأمين محمد المختار الجكني (آبّ ول اخطور)

د. علي بن عبدالعزيز الشبل

وقد أخبرني شيخنا ابن عثيمين أنه لما رحل مع والده وعمه للرياض أشار عليه شيخه: ابن سعدي – لما استشاره – بالدراسة في المعهد العلمي والذي فتح سنة 1371هـ ثم بكلية الشريعة بالرياض والتي تخرج منها منتسباً في دفعتها الثانية سنة 1377هـ وكان ترتيب الشيخ ابن عثيمين الثالث على زملائه 1انظر دليل خريجي الجامعة 1376-1401هـ ص 76 حيث كان الأول معالي الشيخ عمر بن عبدالعزيز بن مترك والثاني شيخنا فالح بن سعد آل مهدي رحمهما الله. وعددهم عشرون طالباً.

يقول رحمه الله :

((لما كنا طلاباً في المعهد بالرياض، وكنا في قاعة الدرس ننتظر من يدرسنا في مادة التفسير، فإذا بشيخ يدخل علينا، وكان رثَّ الهيئة في مظهره وملبسه، كأنه بدوي أعرابي، فقلت في نفسي ليس عند هذا علم، فكيف أترك شيخي عبد الرحمن السعدي في عنيزه وأضيع وقتي أمام أمثال هذا البدوي؟!

فما هو إلا أن بدأ الشيخ محمد الأمين محمد المختار الجكني (آبّ ول اخطور) درسه، وكان في التفسير، حتى انهال علينا من الدرر العلمية والفوائد والشواهد في تفسير كلام الله بين الأدلة والشواهد العربية من بحر زاخر متلاطم، فعرفت أننا أمام عالم جهبذ وفحل من فحول العلماء، فأفدنا فائدة عظيمة من علمه وسمته وخلقه وورعه..)).

وقد استفاد شيخنا ابن عثيمين من شيخه الأمين الشنقيطي رحمهما الله فائدة جليلة في فنون: التفسير والأصول والعقيدة والعربية.

ومما يحسن التنبيه عليه، أن لدى شيخنا نسخة خطية من متن “مراقي السعود لمبتغي الرقي والصعود إلى فن علم الأصول” للشيخ العلامة عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي (رحمه الله)، وهو ألفية شهيرة في القطر الموريتاني في أصول الفقه.

استفاده الشيخ ابن عثيمين من شيخه الأمين الشنقيطي. وهذه النسخة المخطوطة لدى شيخنا نُسخت سنة 1375هـ، بعد اتصاله بشيخه الأمين الشنقيطي، وتقع في ثلاثين (30) صفحة، بخط حسن 2وبالمناسبة فإن متن “المراقي” في نسخته الخطية هو أحد نسختين خطيتين في مكتبة شيخنا ابن عثيمين الخاصة! وليست مكتبة الجامع الكبير المسماة الآن بمكتبة الشيخ ابن سعدي. .

وكان رحمه الله يثني على شيخه الشنقيطي بتقريره مذهب السلف الصالح في العقيدة، ولا سيما في باب الأسماء والصفات، ويشير بتقريره مذهب السلف وذبّه عنه، ورده على أهل البدع المنحرفين فيه.

وقد نقل شيخنا ابن عثيمين عن شيخه محمد الأمين محمد المختار الجكني (آبّ ول اخطور) في كتابه “القواعد المثلى في أسماء الله وصفاته العلى”، نقل من تفسير شيخه الأمين الشنقيطي “أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن” في موضع مهم من مواضع الصفات، حيث قال:

وقد نقل شيخنا ابن عثيمين عن شيخه محمد الأمين محمد المختار الجكني (آبّ ول اخطور) في كتابه “القواعد المثلى في أسماء الله وصفاته العلى”، نقل من تفسير شيخه الأمين الشنقيطي “أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن” في موضع مهم من مواضع الصفات، حيث قال:

الشيخ العلامة محمد الأمين محمد المختار الجكني

الشيخ العلامة محمد الأمين محمد المختار الجكني (آبّ ول اخطور)

الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين

الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين

((وقال الشيخ محمد أمين الشنقيطي في تفسيره “أضواء البيان” ص319 ج2 على تفسير آية استواء الله تعالى على عرشه التي في سورة الأعراف: “اعلم أنه غلط في هذا خلق لا يحصى كثرة من المتأخرين، فزعموا أن الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من معنى الاستواء واليد مثلاً في الآيات القرآنية هو مشابهة صفات الحوادث وقالوا: يجب علينا أن نصرفه عن ظاهره إجماعاً. قال: ولا يخفى على أدنى عاقل أن حقيقة معنى هذا القول أن الله وصف نفسه في كتابه بما ظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم الكفر بالله تعالى والقول فيه بما لا يليق به – جل وعلا -. والنبي صلى الله عليه وسلم الذي قيل له: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44]. لم يبين حرفاً واحداً من ذلك مع إجماع من يعتد به من العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وأحرى في العقائد لاسيما ما ظاهره المتبادر منه الكفر والضلال المبين حتى جاء هؤلاء الجهلة من المتأخرين فزعموا أن الله أطلق على الظاهر المتبادر كفر وضلال يجب صرف اللفظ، عنه، وكل هذا من تلقاء أنفسهم من غير اعتماد على كتاب أو سنة، سبحانك هذا بهتان عظيم. ولا يخفى أن هذا القول من أكبر الضلال ومن أعظم الافتراء على الله – جل وعلا  – ورسوله صلى الله عليه وسلم.

والحق الذي لا يشك فيه أدنى عاقل أن كل وصف وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فالظاهر المتبادر منه السابق إلى فهم من في قلبه شيء من الإيمان هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات الحوادث. قال: وهل ينكر عاقل أن السابق إلى الفهم المتبادر لكل عاقل هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته وجميع صفاته؟ والله لا ينكر ذلك إلا مكابر. والجاهل المفتري الذي يزعم أن ظاهر آيات الصفات لا يليق بالله، لأنه كفر وتشبيه، إنما جر إليه ذلك تنجيس قلبه بقذر التشبيه بين الخالق والمخلوق، فأداة شؤم التشبيه إلى نفي صفات الله – جل وعلا – وعدم الإيمان بها مع أنه – جل وعلا – هو الذي وصف بها نفسه، فكان هذا الجاهل مشبهاً أولاً، ومعطلاً ثانياً، فارتكب ما لا يليق بالله ابتداءً وانتهاءً، ولو كان قلبه عارفاً بالله كما ينبغي، معظماً لله كما ينبغي، طاهراً من أقذار التشبيه لكان المتبادر عنده السابق إلى فهمه أن وصف الله تعالى بالغ من الكمال والجلال ما يقطع أوهام علائق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون قلبه مستعداً للإيمان بصفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، مع التنزيه التام عن مشابهة صفات الخلق على نحو قوله: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾)) 3القواعد المثلى: الخاتمة ص. .

وقد سئل شيخنا (رحمه الله) عما ذكره شيخه محمد الأمين (رحمه الله) أن رؤية الله عز وجل بالأبصار جائزة عقلاً في الدنيا والآخرة، وأما شرعاً فهي جائزة وواقعة في الآخرة، وأما في الدنيا فممنوعة شرعاً. وما نقله النووي عن بعض أهل العلم من أن رؤية الله تعالى في الدنيا جائزة، فنرجو من فضيلتكم توضيح ذلك؟

فأجاب بقوله: ((ما ذكرته في شرح لمعة الاعتقاد لا ينافي ما ذكره الشيخ الشنقيطي وغيره من أن رؤية الله تعالى في الدنيا ممكنة، فإن قولي: “إنه مستحيل” أي بحسب خبر الله عز وجل بأنه لن يراه، إذ لا يمكن أن يتخلف مدلول خبره تعالى، وقد جاءت بمثل ذلك السنة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن الدجال: ((واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا)). 4أخرجه مسلم مجموع فتاوى ورسائل المجلد الأول. .

وفي مسألة تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز قرر ما ذهب إليه شيخه الشنقيطي فقال:

((تقسم الكلام إلى حقيقة ومجاز هو المشهور عند أكثر المتأخرين في القرآن وغيره، وقال بعض أهل العلم لا مجاز في القرآن، وقال آخرون لا مجاز في القرآن ولا في غيره وبه قال أبو إسحاق الاسفرائني ومن المتأخرين محمد الأمين الشنقيطي)) 5مجموع فتاوى ورسائل المجلد 11. .

ولما سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ورد حديث صحيح في تحريك السبابة بين السجدتين في الصلاة؟

فأجاب رحمه الله: ((نعم، ورد الحديث الذي في صحيح مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في الصلاة وذكر أنه يشير بإصبعه وفي لفظ، إذا قعد في التشهد فاللفظ الأول عام، والثاني خاص، والقاعدة أن ذكر الخاص بحكم يوافق العام لا يقتضي التخصيص، ومثال ذلك أن يقول رجل لآخر: أكرم طلبة العلم، ويقول له: أكرم محمداً، ومحمد من طلبة العلم، فهذا لا يقتضي أنه لا يكرم بقية طلبة العلم، وقد نص علماء الأصول على هذا، وذكره الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – في أضواء البيان)) 6مجموع فتاوى ورسائل المجلد 13. .

ومما يحسن ذكره في هذا الصدد من كبير أثر الشيخ الشنقيطي على تلميذه شيخنا ابن عثيمين أنني رافقته في الحج في عدة سنوات، وكنت اتصل عليه هاتفياً قبل قدومي عليه في الحج أسأله ما أحضر معي من الكتب لنراجع عليها المسائل الواردة في النسك، فكان (رحمه الله) يحثُّ على إحضار تفسير شيخه الشنقيطي على الحج من “الأضواء” مع “المجموع” للنووي، ومجلدي “الإنصاف والشرح الكبير”.

قبيلة تجكانت

تجكانت قبيلة عربية ينتشر أبناؤها في شمال وغرب إفريقيا إضافة للشرق الأوسط، انطلاقًا من مدينة تنيقي التاريخية على ضفاف وادي إرغيوى شمال صحراء آدرار بموريتانيا.

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى