النشأة

نشأة قبيلة تجكانت

تَجَكَانِتْ قبيلة لمتونية حميرية، ممتدة أصولها في عمق النسل العربي، وهي الآن قبيلة كبيرة واسعة الانتشار يسكن أغلب أبنائها في موريتانيا، بالإضافة إلى دول أخرى منها الجزائر، والمغرب، ومالي، والنيجر، وغيرها من الدول حول العالم مثل السعودية بسبب هجرة أسلافهم لأداء فريضة الحج.

وقد صُنفت قبيلة تجكانت ضمن القبائل المليونية حول العالم 1(2017) “قبيلة تجكانت تتصدر القبائل المليونية حول العالم”، http://echourouqmedia.net/ ، وذكر الشيخ عباس بن محمد الشافعي المدني، في كتابه لُبُّ الألباب في تحرير الأنساب للسيوطي، أن المنتسب لهذه القبيلة يُقال له جَكَنِي، وهي قبيلة عظيمة بشنقيط، وتسمية القبيلة بتجكانت نسبة إلى جدها أبي الجيل المسمى جَاكِن والملقب بالأبَر، ويقول حماه الله ولد السالم محقق كتاب تاريخ قبائل البيضان عرب الصحراء الكبرى، أن كلمة تجكانت تعود للغة صنهاجة، ومعناها القادة أو أدوات القيادة، وهي قبيلة لمتونية عريقة، معظمها يسكن في موريتانيا.

جاكن.

وقد ولد المجاهد الأكبر والشهيد الأبر جاكن الأبر خلال الفترة التاريخية الممتدة بين نهاية القرن الرابع ومطلع القرن الخامس الهجري، وهو ما يتوافق في الحقب التاريخية مع بداية القرن الحادي عشر ميلادي، وتوفي (رحمه الله) شهيداً خلال فتوحات دولة المرابطين، وقبره الآن بضواحي مدينة النعمة عاصمة ولاية الحوض الشرقي في دولة موريتانيا بموضع يسمى ءَاشْمِيمْ.

وذكر العلامة والمؤرخ محمد المختار السوسي في كتابه خِلالَ جَزُولَهْ رواية أخرى تُشير إلى أن جاكن الأبر قد يكون دفين مدينة تِلِمْسَانْ الجزائرية، ويُرجح بعض الباحثين أن القائد والمجاهد المرابطي مدرك التلكاني هو نفسه جاكن الأبر وأن المصادر القديمة ربما حرفت اسم قبيلته من تجكانت إلى تيلكانت.

وفي نفس السياق يقول المؤرخ والشيخ موسى أحمد بن الحبيب كمرا المتوفى عام 1945ميلادي، وصاحب كتاب تاريخ قبائل البيضان عرب الصحراء الكبرى ما نصه: (وقد تولى السلطة بعده ابنه إبراهيم بن أبي بكر بن عمر، وكان تولى ولاية سِجِلْمَاسَّةْ في عهد أبيه، بدليل النقود التي ضربت في عهده، سنتي 463 و465هجري. لكن يبدو أن ملكه لم يُعمّر، إذ سرعان ما سيطر يوسف بن تاشفين، فنفر في جمع كثير من لمتونة، ونزل َغَمَاتْ لكن الأمير مزدلي بن تيلكان أو تيجكان نصحه بالعدول عن الفكرة، وحصل له على هدايا عاد بها إبراهيم إلى الصحراء).

الترجيح والتطابق.

هذا الترجيح اعتمد على التطابق الحاصل في الأسماء في الفترة التاريخية نفسها، وكذلك التوافق مع ما ذكره قبل ذلك المؤرخ لسان الدين بن الخطيب الغرناطي المتوفى عام 1374ميلادي الموافق 776هجري، في كتابه إعمال الأعلام عن قيادة مزدلي بن تيولكان لربع جيش المرابطين، حيث ذكر أن الأمير يوسف بن تاشفين بعد أن جدد البيعة على قبائل صنهاجة بوادي ملوية، كانوا أربعين ألفا قسمهم إلى أربعة مجموعات وجعل لك مجموعة قائداً، وهم محمد بن تميم الجِدالي، وعمر بن سليمان المسوفي، ومزدالي التلكاني، وسير بن أبي بكر اللمتوني، فقاتل بهم قبائل زناتة حتى أثخن فيهم فأطاعوه ثم بنى مدينة مراكش، فاستوطنها الناس بعد أن تملك أرضها بالشراء.

وكذلك التوافق ومع ما ذكره المؤرخ المختار بن حامد في الجزء السادس من موسوعة حياة موريتانيا وقد خصصه كاملاً للحديث عن قبيلة تجكانت، وقد قال ما نصه (قبيلة تاجكانت من أقدم قبائل الملثمين لمتونة، وأكثرها عدداً وعُدة قيل إنها كانت ربع جيش المرابطين، تعرف بلمتونة الأبرار نسبة إلى جدهم جاكن أو جاكر الأبر)، ثم أضاف قائلاً: (وفي بعض التواريخ أنه كان جيش منهم في القرن الثامن الهجري يقاتل أو يُغير في منطقة توات مما يدل على أقدميتهم وكثرتهم).

وذكر الضابط المترجم مارتان في كتابه الواحات الصحراوية أنه عثر على مخطوطة بمدينة تيديكلت في توات توثق مفاوضات حدثت بين سكان المدينة وبعض القادة من قبيلة تجكانت، وذلك عام 793هجري الموافق للعام 1391ميلادي أي بعد أكثر من 100عام من تأسيس تجكانت لمدينتهم التاريخية تنيقي.

وتذكر أيضاً الروايات الشفهية المنقولة عبر أجيال من أبناء القبيلة، أنه بعد انهيار دولة المرابطين خرجت قبيلة تجكانت نحو أتوات التي تعرف اليوم باسم توات، وسكنوا فيها لأنهم جاؤوا في ظل حرب وخوف، وأقاموا هنالك مدة 70عاماً قبل النزوح إلى نواحي منطقة آدرار بموريتانيا حالياً، ليستقروا هناك ويؤسس مدينتهم الشهيرة تنيقي في أواخر القرن السادس الهجري، وذلك خلال الفترة التاريخية الممتدة بين عامي 680 و699هجري.

وقد ورد في بعض أحداث توات ما نصه (أول من نزل بها وبنى بها القصر الأول: يقال إنهم اللمتون أولاد الملك يوسف بن تجْفَنْتْ -تجفنت عند تعريبها تصبح تاشفين- حين انكسرت دولتهم بالمغرب والأندلس… فجاؤوها هاربين وفارين إلى أن بلغوا أرض توات، ووجدوا بها الجدب، فعرفوا أنها أرض أمان، لأن الجند لا يطيق المقام بها ولا مطمع لهم فيها، فبنوا للسماء وحفروا للماء واستوطنوا وكان أول قصر بنوه بها “تيلوت” قصر قديم)

ومما يقوي هذه الرواية الشفهية ما قاله العلامة والمؤرخ محمد المختار السوسي الذي ذكر في كتابه المسمى المعسول، عندما تحدث عن الرؤساء الذين تولوا رئاسة بلدة أَوْلُوزْ بمنطقة سُوسْ بالمغرب الأقصى قال ما نصه (فهذا ملخص أخبار “أيت الطالب مالك” والرياسة فيهم لعلها أقدم بكثير من القرن الثاني عشر، فقد ذكر الفقيه سيداتي الجاكاني أن هؤلاء جاكانيون نزلوا في هذا المحل من القرن السادس، وقد مر فيهم علماء يُحترمون من الملوك، وقد رأيت يوما بعض الظهائر المتعلقة بذلك).

وقال العلامة السوسي في موضع آخر (فنزل في أَوْلُوزْ عند رئيسها الحسن بن واحمان، من ذرية الفقيه سيدي مسعود الجاكاني الذي جلا عن الصحراء، فنزل في القرن السادس هنا كما حدث به أخوهم الفقيه سيداتي المتوفى أخير في أقا، ومن هؤلاء الجاكانيين الرؤساء في أكشتيم من “انداوزال” المسمون “ادْ مالك” ، وقد مر فيهم علماء رأيت من آثارهم)، ثم ختم ذلك بقوله (كل ما ذكره لي هذا الحاكي عن أهله الأولين لم أسمعه من غيره، وأهل مكة أدرى بشعابها).

الزركلي: تجكانت حميرية.

وقال الزركلي (تجاكنت من قبائل البربر المغربية، تنتسب إلى حمير، ويقال: إنهم بكريون تيميون)، وتحقيقاً للقول في نسب لمتونة التي تنحدر منها قبيلة تجكانت يقول المؤرخ أحمد بن الأمين الشنقيطي المتوفى عام 1331هجري، في كتابه الوسيط في تراجم أدباء شنقيط عند ذكره لقبائل شنقيط بما نصه (قبيلة لمتونة حفظ لها التاريخ أصلها والخلاف في لمتونة بين المؤرخين قديم، فالأكثر أنهم من حمير ودخلوا بلاد المغرب في الجاهلية) وقد مشى عليه صاحب عمود النسب فقال:

وآل عباد ملوك الأندلس
من نسل ذي الطوق وغالها الندس

يوسف العدل ابن تاشفينا
الحميري ثم من لمتونا

وقال أبو محمد ابن حامد الكاتب :

قوم لهم شرف العلا من حمير
وإذا انتموا صنهاجة فهم هم

لما حووا أحراز كل فضيلة
غلب الحياء عليهم فتلثموا2الشيخ عبدالعزيز بن الشيخ الجكني، ثمرات الجنان في شعراء بني جاكان، دمشق، دار المحبة، بيروت، دار آية، 2004، صفحة 15.


وقد ذكر بعض العلماء أن لمتونة من البربر، يقال إنهم خرجوا زمن التبابعة من اليمن، واستوطنوا المغرب الأقصى وملكوه في القرن الخامس الهجري الموافق للقرن الحادي عشر ميلادي، ومن أشهر ملوكهم يوسف بن تاشفين وهو الذي أسس مدينة مراكش.

ويضيف أحمد بن الأمين الشنقيطي في كتابه الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، بصيغة الجزم والقطع بما نصه (وكذلك إدوعيش وتجكانت، وإدولحاج، فلا خلاف أنهم من حمير) وذكر المؤرخ الشيخ موسى أحمد بن الحبيب كمرا صاحب كتاب تاريخ قبائل البيضان عرب الصحراء الكبرى ما نصه (واعلم أن مسوفة، وتجكانت، وادولحاج، واديجله، وتندغه، وادوعيش، كلها لمتونة، يقول البياضين لتندغهْ لمتونة الأخيار، ولتجكانت لمتونة الأبرار، وكذلك بامبرهْ وأخيهم جاشفاقهْ لمتونة الأحرار، ولأيدوعيش لمتونة الأشرار) فيكمل الشيخ موسى حديثه (قلت: ينبغي أن يزيدوا للتوارق لمتونة الأسفار، لأنهم منهم بلا شك، ولعلهم لم يعدُّهم لبعدهم عنهم).

ثم أضاف الشيخ موسى (زعم سليمان لام تاك أن تجكنْتْ من ببكر بن عامر، قلت والذي نسمع من البيضان بالتواتر أن جكان ابن أمسم، وأمسم ابن لمتن أي أن لمتونه والد مسُّومه والد تاجكانت كلها وهو يقول إن جاكن الأبر من ولد ببكر بن عامر مباشرة والله أعلم، وفي كتاب الأنساب لسيدي محمد والد المصطفى الديماني نسب إدو الحاج وتاجكانت وتفلاّلت قيل أنهم أولاد شرول بن أوان بن علي بن أمْسم بن يهكدكر بن نبتان من لمتونة وجدهم أمسم جدّ مسومة، فأصلهم كلهم مسومة).

وعن تجكانت يقول أيضاً العلامة والمؤرخ محمد المختار السوسي في كتابه سُوسْ العالِمةْ عند حديثه عن المدارس العلمية بالصحراء ما نصه (الجاكانية نسبة إلى تاجاكانت وهي قبيلة عربية نزلت في مدينة تندوف ممن بنتها، ازاء تاماتازت نحو 1270هجري الموافق 1853ميلادي، وفيهم علماء قضاة، ومفتين، ومؤلفين، تسلسلوا منذ عهد ابن الأعمش الذي هو مؤسس تلك المدينة، وقد نزل بعض علمائهم مراكش).

وعن قبيلة تجكانت يقول أيضاً وسلم بن محمد الهادي، تعتبر قبيلة تجكانت من أكبر قبائل لمتونة، ويقال إنها كانت ربع جيش المرابطين تعرف فيه بلمتونة الأبرار، ولما وضعت حرب المرابطين أوزارها أسس تجكانت قريتهم تنيقي في أواسط القرن السادس الهجري الموافق للقرن الثاني عشر ميلادياً، وأقاموا بها أربعة قرون في غاية ما يكون من العمارة والدين والعلم والمال والعز.

قبيلة تجكانت

تجكانت قبيلة عربية ينتشر أبناؤها في شمال وغرب إفريقيا إضافة للشرق الأوسط، انطلاقًا من مدينة تنيقي التاريخية على ضفاف وادي إرغيوى شمال صحراء آدرار بموريتانيا.
زر الذهاب إلى الأعلى